الخميس، ٧ كانون الثاني ٢٠١٠

جريدة الغد - حتى تكتمل الرؤية التنموية

شهد الأردن تحولات اقتصادية كبيرة في العقدين الماضيين، كان جلها منصباً على التحول إلى اقتصاد السوق من خلال برنامج التصحيح الاقتصادي أو التعديل الهيكلي الذي أفضى إلى رفع الدعم الحكومي للسلع وخصخصة القطاع العام، تحرير أسعار النفط الذي أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في مستوى المعيشة. وزاد الطين بلة الارتفاع العالمي لأسعار النفط والأزمة العالمية التي ما تزال تلقي بظلالها على الاقتصاد والمجتمع حتى الآن.

النتائج المباشرة لهذه التحولات والأزمة هي تفاقم مشكلتي الفقر والبطالة وارتفاع نسبة أصحاب الدخول المتدنية ممن هم فوق خط الفقر. ولقد حرصت الدولة في كل محطة مهمة من محطات التحول الاقتصادي إلى اتخاذ إجراءات تخفيفية على المواطنين من خلال برامج مختلفة ضمن شبكة الأمان الاجتماعي والتي نجحت في التخفيف من حدة هذه التحولات ولكنها لم تستطع كبح جماحها.

لذلك، فإن هذه الإجراءات والبرامج قد استنفدت إمكانياتها وإن آثارها التخفيفية لن تستطيع أن تعيد التوازن الاجتماعي الذي شهد خللاً كبيراً نتيجة لهذه التحولات، وإن كانت استطاعت أن تخفف قليلاً من الآثار السلبية.

منافع التنمية الاقتصادية والتصحيح الهيكلي المتوقعة لن تعم بشكل تلقائي على جميع فئات وشرائح المجتمع، لا بل إنها أحيانا أدت إلى نمو اقتصادي غير عادل ينطوي على اختلالات كبيرة، على رأسها زيادة التفاوت الاقتصادي/الاجتماعي بين فئات المجتمع وبين المناطق الجغرافية المختلفة واستفحال ظاهرتي الفقر والبطالة في المجتمع الأردني.

التحدي التنموي في المرحلة المقبلة، لا يكمن في تخفيف آثار أزمة اقتصادية أو ارتفاع أسعار على أهميته فهذا لم يعد ممكنا، وإنما في معالجة مشكلتي الفقر والبطالة بشكل منهجي متكامل والمحافظة على المكتسبات والإنجازات التي حققها الأردن على مدى العقود الماضية في مجال التنمية الاجتماعية وخاصة في الصحة والتعليم، ورفع دخول الفئات العريضة ذات الدخل المتدني وتحقيق العدالة الاجتماعية.

لا يمكن معالجة هذه الاختلالات والتحديات من دون حدوث تغيير جذري في النظرة الحالية للسياسات الاجتماعية. إن أخطر ما ينطوي عليه الوضع الحالي عملياً ليس التحول إلى اقتصاد السوق والولوج في العولمة الاقتصادية، إنما افتقار هذا التحول إلى رؤية متكاملة مع السياسات الاجتماعية التي يجب أن تكون مصاحبة لبرنامج التحول الاقتصادي ومتزامنة معه.

ذلك لا يعني أنه لا توجد سياسات اجتماعية في الأردن بل على العكس، فقد تميز الأردن لفترة طويلة بهذه السياسات، لكنها تهمشت وتراجعت بعد عملية التحول الاقتصادي، وأصبحت تتميز بالارتجالية وأحياناً بالتناقض، وتعاني من مشاكل جوهرية أهمها، أنها ما تزال سياسات قطاعية غير متكاملة وغير متناغمة مع بعضها بعضا، وأنها غير تشاركية تتم بشكل مركزي أقرب إلى ردات الفعل غير المدروسة أحيانا، وأنها تفتقر إلى الرؤية التنموية وإلى المتابعة والتقييم بشكل مستمر.

كثير من الاقتصاديين ما يزالون يعتبرون السياسات الاجتماعية عبئاً على التنمية الاقتصادية، والحقيقة أن هذا خطأ جسيم. لأن السياسات الاجتماعية الناجحة تشكل دعامة أساسية للنمو الاقتصادي. فكما أن النمو الاقتصادي يسمح بزيادة الاستثمارات في التنمية الاجتماعية، فإن التنمية الاجتماعية ذاتها تحسن وتطور من قدرات الأفراد والجماعات للمشاركة المثمرة في التنمية الاقتصادية في المجتمع.

السياسات الاجتماعية المتكاملة تقوم على مبدأ العدالة الاجتماعية، واتباع الأسلوب التشاركي في صياغتها وتصميمها وتنفيذها ومتابعتها، وكلها تدعم التنمية الاقتصادية وتؤدي إلى توسيع خيارات الناس.

السياسات الاجتماعية ليست ترفاً يمكن تحقيقه بعد الوصول إلى الرفاه الاقتصادي، لا بل أصبحت ضرورة ملحة، قد جاء أوانها للمحافظة على المكتسبات التنموية ولمعالجة الاختلالات الاجتماعية الناتجة عن اقتصاد السوق والأزمة الاقتصادية وتحقيق العدالة الاجتماعية والنهوض التنموي بشكل عام.


د. موسى شتيوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق