الخميس، ٧ كانون الثاني ٢٠١٠

المعلومات والمعرفة والحكمة



سؤال "من العدو ومن الصديق" مؤسس وجدي ومقلق للدول والمجتمعات والأحلاف والشركات والمصانع ورؤوس الأموال والمصالح والأعمال، ويعيد تشكيلها وصياغتها، وبالطبع فإنه وفقاً لذلك هناك صاعدون ومنسحبون ومنقرضون، وأغنياء جدد وفقراء جدد أيضاً، وأعمال وأدوار متلاشية وأخرى جديدة ناشئة. حلف الأطلسي على سبيل المثال يفكر بجدية وقلق بمصيره ودوره القادم، يحاول أن يشارك في أعمال ومهمات ومنظمات من قبيل الصحة العالمية والتعامل مع الكوارث والإغاثة، لأن المهمة العسكرية الوحيدة المتبقية له هي الحرب في أفغانستان، ولا حاجة للقول إنها حرب مفتعلة ووهمية، وتخلو من السؤال البسيط والأساسي من العدو ومن الصديق؟ الحالة تذكر بطياري الحرب العالمية الثانية الذين فقدوا أعمالهم، وكان سعيد الحظ منهم من لقي عملا في التسلية والعروض الجوية أو في الأفلام الهوليوودية، وبالمناسبة فربما يكون الطيارون الحربيون العاملون اليوم هم آخر جيل في عملهم ومهنتهم، ليس فقط لانتهاء الحروب والصراعات أو تبدلها، ولكن الطائرات بلا طيار أنهت هذه الأعمال والمهن، وبالطبع فإن هناك أعمالا أخرى كثيرة مرشحة للزوال.

لم تكن مشكلة الدول شأن الأفراد والشركات والمجتمعات أيضا في المعلومات والبيانات اللازمة للتخطيط واتخاذ القرارات، ولكن الأزمة دائما في المعرفة وفي الحكمة، ويقال إن الأزهار متاحة لجميع الكائنات ولكن النحل وحده يصنع منها العسل، وكذلك الأمر بالنسبة للمعلومات والإحصائيات والصور والبيانات فيمكن الحصول عليها وجمعها وتنظيمها ولكن العبرة بتحليلها وإعادة إنتاجها، أي تحويلها إلى معرفة، ثم تحويل هذه المعرفة إلى حكمة وبصيرة، وغالبا ما تقف الدول والشركات عند الحد الأساس وهو جمع المعلومات والبيانات، ثم تصبح هذه العملية غاية لذاتها، وليست وسيلة لتحقيق هدف معين أو مصلحة عامة، والواقع أن أزمة الدول والمجتمعات اليوم هي معرفة ما تريده وما تحتاج إليه، ففي مرحلة الشك والفوضى القائمة اليوم، لم يعد ممكنا التمييز بين الموارد وغيرها على سبيل المثال، وربما تعبر أزمة دبي عن هذه المقولة بأمانة ووضوح، فهل كانت المشروعات العملاقة على جمالها وإبهارها هي ما تحتاجه التنمية وما يلزم للاقتصاد والتقدم والرخاء؟ على المستوى الفردي الحالة تشبه من يشتري موبايلا متقدما وغالي الثمن ولكنه لا يقدر على شراء فطوره، أو يشتري سيارة فخمة غالية الثمن وهو عاجز عن توفير أقساط المدارس والتأمين الصحي.


إبراهيم غرايبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق