الخميس، ٧ كانون الثاني ٢٠١٠

جريدة الغد - التعليم العالي و"القرارات الشعبية"

من الواضح أن وراء التوجيهات التي حملها كتاب التكليف للحكومة الحالية بالابتعاد عن القرارات والإجراءات التي تهدف إلى كسب الشعبية ودغدغة مشاعر فئات صارخة من المجتمع على حساب مصالح المجتمع والدولة حكمة مصدرها المئات من القرارات الشعبية التي أصدرتها الحكومات المتعاقبة ووزاراتها ومجالسها وندفع ثمنها اليوم من كفاءة المجتمع والدولة ومن رصيد الأجيال الحالية والمقبلة.

نتمنى ألا يكون مجلس التعليم العالي قد رضخ لإغواء القرارات الشعبية في قراره الذي اتخذه في قضية القبول في الدراسات العليا لصالح حملة المقبول، ولا نتمنى أيضاً أن يكون المجلس ووزير التعليم العالي صاحب الرؤية الإصلاحية الثاقبة قد رضخوا جميعاً لضغوط قطاع التعليم الخاص الذي مارس ضغوطات واسعة خلال السنوات الماضية في هذه القضية.

لم يعد سراً حجم التراجع الذي شهده التعليم العالي الأردني خلال السنوات الماضية في المدخلات والمخرجات معا.

في الوقت الذي يجب أن ندفع جميعاً نحو المزيد من الانفتاح وتوفير بيئة ملائمة لتحريك الاقتصاد ودعم بيئة الأعمال يبقى التعليم خدمة تحتاج رعاية ووصاية الدولة بالضبط والإكراه القانوني ولا يمكن في مرحلة التنمية أن نطبق عليها معايير السوق "دعه يمر"، فنحن أمام قضية مصيرية هي تكوين رأس المال البشري للمستقبل الذي يعد مدخلاً لعناصر وعمليات الإنتاج الأخرى كافة، فإذا ما استبدلنا الجودة بالرداءة فإننا نحكم على معظم مدخلات التنمية والتغيير الاجتماعي والاقتصادي بالضعف.

يحدث ذلك في بلد تشكل فيه قضايا التعليم حساسية مزدوجة جانبها الأول الطلب المتزايد على خلق بيئة مفتوحة ومرنة تسهل الالتحاق بالمؤسسات والبرامج التعليمية من دون الأخذ بعين الاعتبار لأي محددات أخرى، حيث أصبح فيها التعليم العالي تحديدا جزءا من منظومة القيم الاجتماعية العالية القيمة في أولويات كل أسرة أردنية، وجانبها الثاني المطالب الأكثر شرعية في الحرص على بناء نظم تعليمية أكثر كفاءة تحرص على جودة المخرجات التعليمية كما تحرص على جودة المدخلات، بينما تشكل الدراسات العليا وخريجوها الكتلة الحرجة المتداخلة مع أنساق النظم التعليمية الأخرى كافة، وبالتالي تتطلب المزيد من الحرص حيال ضمان مستوى عال من الجودة، فالدراسات العليا ليست مجرد ترف مجتمعي ولا موضة لطلب المزيد من الارتقاء في السلم الاجتماعي، بل هي الحلقة المفصلية في حلقات التقدم وبناء التنمية والتغيير الاجتماعي والثقافي.

حينما نخطط للتنمية والتغيير الاجتماعي والثقافي والتعليم، يجب أن نلتفت إلى واحدة من الأبجديات في مجال هذا النوع من التخطيط، وهي أن نفرق بين ما يحتاجه الناس بالفعل وبين ما يريدونه. هناك الكثيرون الذين يريدون أن تشرع الأبواب من دون حساب أو ضبط أمام الجميع للقبول في الدراسات العليا تحت مبرر الحق في التعليم، وبموجب الرغبة في الحصول على الشهادات، لكن ذلك يتطلب النظر من زاوية ثانية لما يحتاجه الناس بالفعل؛ إنهم يحتاجون تعليما بجودة عالية ومخرجات ذات كفاءة، وان لا نترك مستقبل الأجيال المقبلة تحت رحمة إشباع الرغبات.

في هذا الوقت لا يوجد الحد الأدنى من الرضا عن مستوى الدراسات العليا في الجامعات الرسمية والخاصة؛ حيث يلتزم معظمها بتعليمات سابقة ضبطت القبول في برامج الماجستير عند تقدير "جيد"، وبعض الجامعات وحتى الرسمية فلتت من هذه التعليمات وكانت تقبل تقدير "مقبول"، لا ندري كيف ستؤول الأحوال بعد أن تم التشريع رسميا للجميع بإلغاء هذا الشرط، وهل سيكون هذا الأمر إذا ما حدث قرارا بوأد الدراسات العليا في الأردن وهي في مهدها، وسندعم الاستثمار حتماً بازدهار دكاكين بيع الرسائل الجامعية المنتشرة في محيط جامعاتنا.

المفارقة الأخرى نية المجلس التشريع لحملة الماجستير بتقدير جيد القبول في برنامج الدكتوراه. المطلعون يعرفون هذه الفئة من الطلبة، وما مستواها الحقيقي وما علاقاتها بالدراسات العليا والبحث العلمي.

التعليم العالي يعني مستقبل المجتمع والدولة، وأي تهاون نمارسه اليوم في حماية مستقبل البلاد والناس سندفع ثمنه غاليا.

باسم الطويسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق