الثلاثاء، ٧ كانون الأول ٢٠١٠

أسباب إخفاق اقتصاد السوق المحررة من القيود

في كتابه "انهيار الرأسمالية" يتتبع الكاتب الألماني أولريش شيفر أسباب إخفاق تجربة اقتصاد السوق "الحرة" بعدما كفت الدول الوطنية عن التدخل في عمل السوق، وصارت الاقتصادات الوطنية توجهها الشركات والمصارف من غير غطاء ديمقراطي أو اجتماعي، وكانت النتيجة تفاوتا غير عادي في توزيع الدخول والثروات، وارتفاعا في نسبة الفقر والفقراء، وتفاوتا غير عادي في فرص التعليم، والتوظيف، والفرص المستقبلية أيضا.

انتشرت أفكار "الليبرالية الاقتصادية" ويرمز إليها عادة بالمفكرين الاقتصاديين ميلتون فريدمان وفريدريك هايك في السبعينيات، وتسمى أيضا "مدرسة شيكاغو" ويسميها خصومها "صبيان شيكاغو" وطبقت في كثير من بلدان العالم، ووقف وراءها بقوة في الثمانينيات كل من مارجريت ثاتشر رئيسة وزراء بريطانيا السابقة، ورونالد ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة، وملخص فكرتهما أن السوق تعمل بالكفاءة المنشودة دائما وأبدا، وأنها هي وحدها تؤدي وظيفتها على النحو المطلوب. وخلافا لهايك وفريدمان يؤمن كينز بأهمية الدولة في توجيه الاقتصاد الوطني، وطبق نظريته بنجاح الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت، وطبقت أفكاره أيضا في أوروبا.

كان تحرير اقتصاد السوق ثورة فرضتها الحكومات على المجتمعات، وجسد ممثلو مدرسة شيكاغو في الثمانينيات والتسعينيات الصورة الدقيقة لليبرالي المحدث الذي لا يعرف الرحمة ولا يكن العطف للضعفاء، فهم لا يرفضون وجود الدولة القوية فقط، بل يطالبون بضرورة أن تصبح الدولة بلا أهمية أصلا، هذه الثورة غيرت العالم وطرائق حياتنا وملامح مجتمعاتنا، وفي عام 1971 عندما أعلن الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون من طرف واحد ومن دون تنسيق, تخلي الولايات المتحدة عن تعهدها بتحويل الدولار الأميركي إلى ذهب، فقد قوض أركان نظام أسعار الصرف الثابتة، هذا النظام الذي أسبغ الاستقرار على الاقتصاد العالمي على مدى ربع قرن من الزمان.

وتطورت أسواق المال على نحو غريب، فقد انتشرت سلع مالية سميت المشتقات، أي تشتق قيمتها من التطور الذي يطرأ على قيمة أوراق مالية أخرى، بدأت معاملات آجلة، لكن قيمة هذه المشتقات وصلت في عام 2007 إلى 592 تريليون دولار، أي أنها بلغت عشرة أضعاف السلع والخدمات التي ينتجها سكان العالم، وتضاعف حجم التعاملات في بورصات الصرف الأجنبي على نحو لا مثيل له في التاريخ أبدا، وانعدمت الروابط بين هذه البورصات والاقتصاد الحقيقي (القطاعات الإنتاجية)، وبدأت تظهر مشتقات جديدة وغريبة مثل "سندات مضمونة بالأصول" و"سندات مضمونة برهن العقار"، وتتخفى خلفها حزم قروض صارت تجوب العالم، وتنتقل من مستثمر إلى آخر، ثم تحولت إلى قنبلة موقوتة عظيمة الطاقة التفجيرية.



إبراهيم غرايبة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق