الجمعة، ٣ كانون الأول ٢٠١٠

سجن سلحوب.. علامة استفهام

قبل أسابيع قليلة مررنا بالقرب من سجن سلحوب الذي يقع على أحد المرتفعات الجميلة، وللوهلة الأولى ظننت أنه منتجع سياحي لطبيعة المكان الخلاّبة وتصميمه الملفت (على الأقل من الخارج)، قبل أن يقسم لي صاحبي حينها أنّه سجن سلحوب، الذي يضم حالياً المحاكمين الأربعة في قضية توسعة مصفاة البترول من الشخصيات المهمة والمعروفة.

ثم ارتفع منسوب الاشاعات حول السجن، بعد ذلك، وعن مستوى الرفاهية التي يحصل عليها المقيمون فيه مقارنةً بمراكز الإصلاح والتأهيل الأخرى التي يعاني السجناء في بعضها الأمرّين، وتبلغ الاشاعات إلى مستوى مذهل من الحديث عن مستوى الرفاهية والمتعة في السجن إلى ما يشبه فنادق الخمس نجوم. 

بالطبع، المسألة هنا لا تقف عند حدود الإشاعات والروايات وما يتناقله الناس، بل تبدأ عمليات التحليل والتأويل واستنباط الدلالات بصورة موسّعة، فهنالك من يرى أنّ السجن مقدّمة لقضايا أخرى في مكافحة الفساد تطاول كبار الشخصيات، مثل قضية موارد وغيرها، وأنّ هذا السجن معدّ لهذه المهمة بصورة أساسية اليوم، تجنباً لما حدث مع مدير مخابرات سابق حوكم بقضية فساد، ثم وضع في فيلا بالعقبة تحت الإقامة الجبرية.

شرعت بعدها في كتابة مقال يتضمن علامة استفهام على هذه الإشاعات ومدى صحتها، بخاصة أن جزءاً كبيراً منها ينقل عن شهود عيان سواء ممن زاروا السجناء أو ممن عملوا في السجن، وبالطبع تجد مثل هذه الأخبار والروايات هوىً كبيراً لدى الناس، وتكاد تصبح بالنسبة لهم بمثابة الحقائق الدامغة.

إلاّ أنّني فضلت الاتصال مع مدير مراكز الإصلاح والتأهيل الذي نفى بشدة هذه الروايات، وأحالني إلى العزيز محمد الخطيب الذي أكد النفي وسخر من الإشاعات، ما جعلني أُمسك عن نشر المقال حتى لا نساهم في تعزيز هذه الانطباعات العامة.

ما الجديد، إذن؟.. هو التقرير الذي نشره مؤخراً الزميل ناصر قمش، مراسل العربية نت في عمان، وهو موقع عربي معروف له رواد بالملايين، حول السجن، وضع فيه تفاصيل الروايات التي يتم تداولها، وردّ المسؤولين.

ذلك يعني أنّ "الصورة العامة" التي بدأت تتشكل وتنطبع حول السجن هي ما تسرده الإشاعات والروايات السابقة، وليس الرواية الرسمية، ليس محلياً فقط بل خارجياً أيضاً.

خطورة الأمر هنا أنّ هذه "الصورة النمطية" (التي تتشكل) إذا استولت على الرأي العام، فإنّها تعزز الفجوة الحالية والشعور باختلال ميزان العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان والتمييز الطبقي والاجتماعي بصورته الفجّة، ويضعف كثيراً الاحترام الرمزي لقيمة دولة القانون والمؤسسات.

الناطق باسم الأمن العام، محمد الخطيب أكّد أن السجن الحالي (الذي يتسع لـ60 شخصاً)، هو ضمن مواصفات السجون الجديدة التي تبنيها الدولة وتكون مراعية للمعايير الدولية القانونية والإنسانية، وأنه لا يمتاز عن غيره من سجون أخرى حديثة البناء، بل هو أقل منها في المرافق المتاحة.

إلاّ أنّ تصريح "التطمين" هذا ليس مكتملاً، وما تزال تسكنه علامات استفهام أخرى، فإذا كانت سعته 60 شخصاً فلماذا لا يتم نقل عدد من السجناء الآخرين (الذين تكتظ بهم السجون وتثير احتجاجات المؤسسات الحقوقية الدولية) إليه وإلى السجون الحديثة الأخرى التي تحدث عنها الخطيب؟! ولماذا تم نقل السجناء الأربعة إليه حصرياً فيما تتكبد آلاف العائلات الأردنية مسافات بعيدة لرؤية أبنائها السجناء في مراكز أخرى في ظروف صعبة للغاية؟!

ما نحتاج إليه هو مزيدٌ من التوضيحات المشفوعة بحقائق دامغة من الواقع لنفي هذه الصورة النمطية الخطرة.

محمد أبو رمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق